سورة غافر - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{إِنَّ الساعة لأَتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا} في مجيئها لوضوح الدلالة على جوازها وإجماع الرسل على الوعد بوقوعها. {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ} لا يصدقون بها لقصور نظرهم على ظاهر ما يحسون به.
{وَقَالَ رَبُّكُمْ ادعونى} اعبدوني. {أَسْتَجِبْ لَكُمْ} أثبكم لقوله: {إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخرين} صاغرين، وإن فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار الصارف عنه منزلاً منزلته للمبالغة، أو المراد بالعبادة الدعاء فإنه من أبوابها. وقرأ ابن كثير وأبو بكر {سَيُدْخَلُونَ} بضم الياء وفتح الخاء.
{الله الذى جَعَلَ لَكُمُ اليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} لتستريحوا فيه بأن خلقه بارداً مظلماً ليؤدي إلى ضعف الحركات وهدوء الحواس. {والنهار مُبْصِراً} يبصر فيه أو به، وإسناد الإِبصار إليه مجاز فيه مبالغة ولذلك عدل به عن التعليل إلى الحال: {إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس} لا يوازيه فضل، وللإِشعار به لم يقل لمفضل. {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ} لجهلهم بالمنعم وإغفالهم مواقع النعم، وتكرير الناس لتخصيص الكفران بهم.
{ذلكم} المخصوص بالأفعال المقتضية للألوهية والربوبية. {الله رَبُّكُمْ خالق كُلِّ شَئ لاَّ إله إِلاَّ هُوَ} أخبار مترادفة تخصص اللاحقة السابقة وتقررها، وقرئ: {خالق} بالنصب على الاختصاص فيكون {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} استئنافاً بما هو كالنتيجة للأوصاف المذكورة. {فأنى تُؤْفَكُونَ} فكيف ومن أي وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره.
{كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الذين كَانُواْ بئايات الله يَجْحَدُونَ} أي كما أفكوا أفك عن الحق كل من جحد بآيات الله ولم يتأملها.
{الله الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَاراً والسماء بِنَاءً} استدلال ثان بأفعال أخر مخصوصة. {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} بأن خلقكم منتصب القامة بادي البشرة متناسب الأعضاء، والتخطيطات متهيأ لمزاولة الصنائع واكتساب الكمالات. {وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات} اللذائذ. {ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ فتبارك الله رَبُّ العالمين} فإن كل ما سواه مربوب مفتقر بالذات معرض للزوال.
{هُوَ الحي} المتفرد بالحياة الذاتية. {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} إذ لا موجد سواه ولا موجد يساويه أو يدانيه في ذاته وصفاته. {فادعوه} فاعبدوه. {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} أي الطاعة من الشرك والرياء. {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} قائلين له.
{قُلْ إِنّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَمَّا جَاءَنِى البينات مِن رَّبّى} من الحجج والآيات أو من الآيات فإنها مقوية لأدلة العقل منبهة عليها. {وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبّ العالمين} بأن أنقاد له أو أخلص له ديني.
{هُوَ الذى خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} أطفالاً، والتوحيد لإرادة الجنس أو على تأويل كل واحد منكم.
{ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ} اللام فيه متعلقة بمحذوف تقديره: ثم يبقيكم لتبلغوا وكذا في قوله: {ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً} ويجوز عطفه على {لِتَبْلُغُواْ} وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص وهشام {شُيُوخاً} بضم الشين. وقرئ: {شيخاً} كقوله: {طِفْلاً}. {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ} من قبل الشيخوخة أو بلوغ الأشد. {وَلِتَبْلُغُواْ} ويفعل ذلك لتبلغوا: {أَجَلاً مُّسَمًّى} هو وقت الموت أو يوم القيامة. {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ما في ذلك من الحجج والعبر.
{هُوَ الذى يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قضى أَمْراً} فإذا أراده. {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فلا يحتاج في تكوينه إلى عدة وتجشم كلفة، والفاء الأولى للدلالة على أن ذلك نتيجة ما سبق من حيث أنه يقتضي قدرة ذاتية غير متوقفة على العدد والمواد.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يجادلون فِى ءايات الله أنى يُصْرَفُونَ} عَن التصديق به وتكريم ذم المجادلة لتعدد المجادل، أو المجادل فيه أو للتأكيد.
{الذين كَذَّبُواْ بالكتاب} بالقرآن أو بجنس الكتب السماوية. {وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} من سائر الكتب أو الوحي والشرائع. {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} جزاء تكذيبهم.
{إِذِ الأغلال فِى أعناقهم} ظرف ل {يَعْلَمُونَ} إذ المعنى على الاستقبال، والتعبير بلفظ المضي لتيقنه. {والسلاسل} عطف على {الأغلال} أو مبتدأ خبره. {يُسْحَبُونَ}.
{فِى الحميم} والعائد محذوف أي يسحبون بها، وهو على الأول حال. وقرئ: {والسلاسل يُسْحَبُونَ} بالنصب وفتح الياء على تقديم المفعول وعطف الفعلية على الاسمية، {والسلاسل} بالجر حملاً على المعنى {إِذِ الإغلال فِى أعناقهم} بمعنى أعناقهم في الأغلال، أو إضماراً للباء ويدل عليه القراءة به. {ثُمَّ فِى النار يُسْجَرُونَ} يحرقون من سجر التنور إذا ملأه بالوقود، ومنه السجير للصديق كأنه سجر بالحب أي ملئ. والمراد أنهم يعذبون بأنواع من العذاب وينقلون من بعضها إلى بعض.
{ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَمَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ الله قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} غابوا عنا وذلك قبل أن تقرن بهم آلهتهم، أو ضاعوا عنا فلم نجد ما كنا نتوقع منهم. {بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً} أي بل تبين لنا لم نكن نعبد شيئاً بعبادتهم فإنهم ليسوا شيئاً يعتد به كقولك: حسبته شيئاً فلم يكن. {كذلك} مثل ذلك الضلال. {يُضِلُّ الله الكافرين} حتى لا يهتدوا إلى شيء ينفعهم في الآخرة، أو يضلهم عن آلهتهم حتى لو تطالبوا لم يتصادفوا.


{ذلكم} الإِضلال. {بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى الأرض} تبطرون وتتكبرون. {بِغَيْرِ الحق} وهو الشرك والطغيان. {وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} تتوسعون في الفرح، والعدول إلى الخطاب للمبالغة في التوبيخ.
{ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ} الأبواب السبعة المقسومة لكم. {خالدين فِيهَا} مقدرين الخلود. {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} عن الحق جهنم، وكان مقتضى النظم فبئس مدخل المتكبرين ولكن لما كان الدخول المقيد بالخلود بسبب الثواء عبر بالمثوى.
{فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله} بهلاك الكافرين. {حَقّ} كائن لا محالة. {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} فإن نرك، وما مزيدة لتأكيد الشرطية ولذلك لحقت النون الفعل ولا تلحق مع أن وحدها. {بَعْضَ الذى نَعِدُهُمْ} وهو القتل والأسر. {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل أن تراه. {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} يوم القيامة فنجازيهم بأعمالهم، وهو جواب {نَتَوَفَّيَنَّكَ}، وجواب {نُرِيَنَّكَ} محذوف مثل فذاك، ويجوز أن يكون جواباً لهما بمعنى إن نعذبهم في حياتك أو لم نعذبهم فإنا نعذبهم في الآخرة أشد العذاب، ويدل على شدته الاقتصار بذكر الرجوع في هذا المعرض.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} إذ قيل عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، والمذكور قصصهم أشخاص معدودة. {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِئَايَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} فإن المعجزات عطايا قسمها بينهم على ما اقتضته حكمته كسائر القسم، ليس لهم اختيار في إيثار بعضها والاستبداد بإتيان المقترح بها. {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ الله} بالعذاب في الدنيا أو الآخرة. {قُضِىَ بالحق} بإنجاء المحق وتعذيب المبطل. {وَخَسِرَ هُنَالِكَ المبطلون} المعاندون باقتراح الآيات بعد ظهور ما يغنيهم عنها.
{الله الذى جَعَلَ لَكُمُ الأنعام لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} فإن من جنسها ما يؤكل كالغنم ومنها ما يؤكل ويركب كالإِبل والبقر.
{وَلَكُمْ فيِهَا منافع} كالألبان والجلود والأوبار. {وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ} بالمسافرة عليها. {وَعَلَيْهَا} في البر. {وَعَلَى الفلك} في البحر. {تُحْمَلُونَ} وإنما قال: {وَعَلَى الفلك} ولم يقل في الفلك للمزاوجة، وتغيير النظم في الأكل لأنه في حيز الضرورة. وقيل لأنه يقصد به التعيش وهو من الضروريات والتلذذ والركوب والمسافرة عليها قد تكون لأغراض دينية واجبة أو مندوبة، أو للفرق بين العين والمنفعة.
{وَيُرِيكُمْ ءاياته} دلائله الدالة على كمال قدرته وفرط رحمته. {فَأَىَّ آيَاتِ اللهِ} أي فأي آية من تلك الآيات. {تُنكِرُونَ} فإنها لظهورها لا تقبل الإِنكار، وهو ناصب {أي} إذا لو قدرته متعلقاً بضميره كان الأولى رفعه والتفرقة بالتاء في أي أغرب منها في الأسماء غير الصفات لإبهامه.
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءاثَاراً فِى الأرض} ما بقي منهم من القصور والمصانع ونحوهما، وقيل آثار أقدامهم في الأرض لعظم أجرامهم.
{فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} {ما} الأولى نافية أو استفهامية منصوبة بأغنى، والثانية موصولة أو مصدرية مرفوعة به.
{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} بالمعجزات أو الآيات الواضحات. {فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ العلم} واستحقروا علم الرسل، والمراد بالعلم عقائدهم الزائغة وشبههم الداحضة كقوله: {بَلِ ادرك عِلْمُهُمْ فِى الاخرة} وهو قولهم: لا نبعث ولا نعذب، وما أظن الساعة قائمة ونحوها، وسماها علماً على زعمهم تهكماً بهم، أو علم الطبائع والتنجيم والصنائع ونحو ذلك، أو علم الأنبياء، وفرحهم به ضحكهم منه واستهزاؤهم به ويؤيده: {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} وقيل الفرح أيضاً للرسل فإنهم لما رأوا تمادي جهل الكفار وسوء عاقبتهم فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله عليه وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم.
{فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} شدة عذابنا. {قَالُواْ ءَامَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} يعنون الأصنام.
{فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} لامتناع قبوله حينئذ ولذلك قال: {لَمْ يَكُ} بمعنى لم يصح ولم يستقم، والفاء الأولى لأن قوله: {فَمَا أغنى} كالنتيجة لقوله: {كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ}، والثانية لأن قوله: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم} كالتفسير لقوله: {فَمَا أغنى} والباقيتان لأن رؤية البأس مسببة عن مجيء الرسل وامتناع نفي الإِيمان مسبب عن الرؤية. {سُنَّتَ الله التى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ} أي سن الله ذلك سنة ماضية في العباد وهي من المصادر المؤكدة. {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون} أي وقت رؤيتهم البأس، اسم مكان استعير للزمان. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة المؤمن لم يبق روح نبي ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن إلا صلى عليه واستغفر له».

1 | 2 | 3